لقب ابن الإنسان هل يدل علي أنَّ المسيح إنسان فقط ؟
كاتب الموضوع
رسالة
NOR AL3ALM † + † + † + †
الانتساب : 15/02/2010 المشاركات : 891
موضوع: لقب ابن الإنسان هل يدل علي أنَّ المسيح إنسان فقط ؟ الجمعة مارس 19, 2010 7:32 pm
" أسئلة عن المسيح "
(8)
لقب ابن الإنسان
هل يدل علي أنَّ المسيح إنسان فقط ؟
القس عبد المسيح بسيط أبوالخير
كاهن كنيسة العذراء بمسطرد
المحتويات:
1- مثل ابن الإنسان في سفر دانيَّال:
2- شبه ابن الإنسان الأول والآخر والديان:
3- ابن الإنسان الجالس عن يمين العظمة في الأعالي:
4- ابن الإنسان في التقليد اليهودي المعاصر للمسيح:
5- ابن الإنسان كما لُقب به الرب يسوع المسيح نفسه:
- 7 -
لقب ابن الإنسان
هل يدل علي أنَّ المسيح إنسان فقط ؟
ورد لقب " ابن الإنسان " في العهد الجديد حوالي 83 مرَّة، فقد ورد في الإنجيل للقديس متى 30 مرَّة، وفي الإنجيل للقديس مرقس 13 مرَّة، وفي الإنجيل للقديس لوقا 25 مرَّة، وفي الإنجيل للقديس يوحنا 12 مرَّة، ومرة واحدة فقط في سفر أعمال الرسل، ومرّتَين في سفر الرؤيا تحت عبارة "شبه ابن إنسان ". مع ملاحظة أنَّ أغلب المرَّات التي ذُكِرَ فيها اللَّقب في الأناجيل الثلاثة الأولي هي تكرار لمواقف واحدة. ولا يُذْكَر مرَّة أخري في بقيَّة العهد الجديد.
وقد تصوَّر بعض الكُتاب من غير المسيحيِّين ونُقَّاد المسيحيَّة أنَّ هذا اللَّقَب الذي استخدمه المسيح كلقبٍ خاصٍ به يدلّ فقط علي أنَّ المسيح مُجَرَّد إنسان لا أكثر ولا أقل!! وخاصَّة أنَّ هذا التعبير استُخْدِم في العهد القديم للمقارنة بين الإنسان واللَّه، ويشير إلي الإنسان، ابن آدم
كما ورد تعبير " ابن آدم " والمرادف لابن الإنسان في سفر حزقيال للإشارة إلي حزقيال النبيّ نفسه أكثر من 90 مرَّة. فهل يدلّ هذا اللَّقب أو هذا التعبير علي أنَّ المسيح مُجَرَّد إنسان فقط، كما يزعم هؤلاء الكُتَّاب والنُقَّاد، دون دراسة اللَّقب وفهم مغزاه كما جاء في الكِتَاب المقدَّس، وبصفة خاصَّة علي لسان المسيح نفسه، وكما جاء في التقليد اليهوديّ السابق للمسيح والمعاصر له ؟!.
هل يدلّ اللَّقب علي أنَّ المسيح مُجَرَّد إنسان، بشر، فقط، كما يزعم ويتصوَّر هؤلاء، أم يدلّ ويُؤَكِّد علي حقيقة تجسُّده ولاهوته كالإله المتجسِّد، اللَّه الظاهر في الجسد، كلمة اللَّه الذي صار جسدًا ؟!
وللإجابة علي هذا السؤال يجب أنْ ندرس ما جاء عنه في الأسفار
- 9 -
الرؤوية في الكتاب المقدَّس وأهمُّها سفر دانيال في العهد القديم وسفر الرؤيا في العهد الجديد، وما جاء عنه في التقليد اليهوديّ السابق والمعاصر للربِّ يسوع المسيح، وما جاء عنه في المرَّة الوحيدة التي جاءت خارج الإنجيل بأوجهه الأربعة، في سفر أعمال الرسل، ثم ما جاء علي لسان الربِّ يسوع المسيح نفسه.
1- مثل ابن الإنسان في سفر دانيَّال:
رأى دانيال النبي في أولي رؤياه التي رآها ودوَّنها في سفره بالروح القدُّس أربعة حيوانات خارجة من البحر الكبير والذي يمثِّل العالم ؛ الأول كالأسد وله جناحا نسر ، والثاني مثل الدبِّ ، والثالث مثل النمر وله علي ظهره أربعة أجنحة طائر كما كان له أربعة رؤوس ، والرابع هائل وقويّ جدًا وله أسنان كبيرة من حديد وقد سَحَقَ الثلاثة السابقين عليه وداسهم برجليه ، وكان له عشرة قرون طلع بينها قرن صغير له عيون كعيون الإنسان وكان يجدِّف علي اللَّه وعلي قدَّيسيه . وكانت هذه الحيوانات ترمز وتمثل الإمبراطوريَّات الأربعة التي سادت علي العالم من القرن السادس قبل الميلاد إلي القرن السادس عشر الميلادي، وهي بابل وفارس واليونان والرومان ، كما كان يرمز القرن الصغير
- 10 -
لضد المسيح الذي سيسبق المجيء الثاني(1). وقد تلي هذه الرؤيا رؤيا أخري للعرش الإلهيّ حيث يجلس اللَّه كالقديم الأيام، أي الأزليّ الذي لا بداية له، في مشهد سمائيّ مَهِيب وحوله قدِّيسوه وقد فُتحت الأسفار ، أي أسفار الدينونة (دا7/1-12) .
ثم رأي دانيال النبيّ المشهد الثالث في هذه الرؤيا وهو مشهد " مثل ابن الإنسان " فيقول " كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ." (دا 7/13-14).
وهنا نرى هذا الكائن السمائيّ الذي رآه دانيال النبيّ في شكل ابن إنسان " مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ " له عدَّة صفات لا يُمكن أنْ تكون لإنسانٍ أو ملاكٍ أو أي كائنٍ مخلوقٍ ، إنما هي خاصَّة باللَّه وحده ! فقد أُعطي " سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ." . إذاً فهو صاحب السلطان علي كلِّ الخليقة وملك الملكوت الذي له المجد وحده إلي الأبد،
فمَنْ هو هذا الكائن السمائيّ الذي رآه دانيال النبي " مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ " الآتي علي سُحُب السماء؟ والإجابة هي أنَّه الربّ يسوع المسيح نفسه الآتي علي السحاب، وهذا ما أكَّده الربّ يسوع المسيح نفسه عندما سأله رئيس الكهنة قائلا " أَسْتَحْلِفُكَ بِاللَّهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! أَنَا هُوَ. "، و "وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ» " (مت 26/63-64؛مر62:14).. كما أنَّ جميع الأوصاف التي وُصف بها هذا الكائن السمائيّ الآتي مثل ابن الإنسان هي أوصاف الربّ يسوع المسيح نفسه:
(1) فقد أعطي سلطاناُ ومجداً وملكوتاً: والرب يسوع المسيح يقول عن نفسه " كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي" (مت11/27)، وأيضاً " دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ" (مت 28/18)، " اَلآبُ يُحِبُّ الاِبْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ." (يو3/35)، أو كما يقول عنه الكتاب بالروح " وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ،
(3) " سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض ": بيّنا أعلاه كيف أنَّ الربّ يسوع المسيح له السلطان في السماء وعلي الأرض وأنَّ هذا السلطان هو سلطان أبديّ لا بداية له ولا نهاية. فهو ملك الملكوت الذي قال عن ملكوته هذا " مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. " (يو18/36) ، فهو ليس مُجَرَّد ملكٌ أرضيّ بل، كما قال الكتاب " مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ" (رؤ19/16)، الذي " تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ ". ولذا قال الملاك للعذراء عندما بشَّرها بالحبل به " هَذَا يَكُونُ عَظِيماً وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ " (لو1/32-33). وكان اليهود وقت تجسُّد المسيح يعرفون من النبوًَّات أنَّ ملكوته أبديّ ، وإنْ كانوا قد فهموه بطريقةٍ أرضيَّةٍ، فقالوا له " سَمِعْنَا مِنَ النَّامُوسِ أَنَّ الْمَسِيحَ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ " (يو12/34)، ويقول عنه الكتاب أيضًا أنَّ ملكوته " لا يَتَزَعْزَعُ " (عب28/12) .
لقد كانت رؤيا دانيَّال عبارة عن نبوَّة تفصيليَّة عن المسيح كالآتي علي سحاب السماء لكي تتعبد له جميع الشعوب والأمم والألسنة ، فهو ملك الملوك ورب الأرباب الذي تسجد له كلّ ركبةٍ مما في السماء ومن علي الأرض ومن تحت الأرض.
وعند توبيخ الشهيد استفانوس، أوّّل شهيد في المسيحيَّة، لليهود لعدم إيمانهم يقول الكتاب " فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا حَنِقُوا بِقُلُوبِهِمْ وَصَرُّوا بِأَسْنَانِهِمْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ فَرَأَى مَجْدَ اللهِ وَيَسُوعَ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ. فَقَالَ: «هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ»". وهذا أدّي إلي رجمه " فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ إِقْبَلْ رُوحِي». " (أع 7/54-59) .
وهنا يرى القديس استفانوس المسيح " ابْنَ الإِنْسَانِ " قائمًا عن يمين
- 16 -
العظمة في الأعالي كالربِّ القائم لرعاية شعبه وكنيسته والذي قَبِلَ روح إستيفانوس معه في الفردوس، كما سبق وقال للصِّ المصلوب معه " إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ " (لو23/43). فابن الإنسان هو الربُّ الجالس عن يمين العظمة في الأعالي والقائم ليرعي شعبه ويُدَبِّر أمور خليقته والذي يقبل إليه أرواح المنتقلين الأبرار .
4- ابن الإنسان في التقليد اليهودي المعاصر للمسيح:
كما ورد لقب ابن الإنسان في ثلاثة مراجع أخري خارج الكتاب المقدّس ، في التقليد اليهوديّ المعاصر للمسيح، وهي سفر أخنوخ الأوَّل الأبوكريفي وسفر عزرا الرابع الأبوكريفي وكتابات فيلو الفيلسوف اليهوديّ الإسكندريّ المعاصر للمسيح. ويبدو أنَّها كلَّها متأثِّرة بما جاء في سفر دانيَّال النبيّ. وعلي الرغم من عبارة " ابن الإنسان " لم تردْ في التلمود اليهوديّ والذي كُتِبَ بعد المسيح بمئات السنين إلاَّ أنَّ كثيرين من الربِّيِّين اليهود فسَّروا نبوَّة دانيَّال النبيّ عن ابن الإنسان علي أنَّها خاصَّة بالمسيح الآتي والمنتظر :
(1) سفر أخنوخ الأول : استخدم هذا السفر المكتوب في القرنين
- 17 -
الأوَّل قبل الميلاد والأوَّل بعد الميلاد، في جزئه الثاني المعروف بالخطب الأخرويَّة أو أمثال أخنوخ ( في الإصحاحات من 37 إلى71)، عبارة ولقب " ابن الإنسان" مرَّات عديدة عن كائنٍ أسمي من الملائكة والبشر دعاه أيضًا بـ " المختار Elect " ، وقد وصفه بصفات تتطابق كثيرًا مع صفات " مثل ابن الإنسان " في سفر دانيال النبي :
1 – فقال في الإصحاح 39 " رأت عيناي مختار الحق والإخلاص، العدالة ستسود في زمنه، والأبرار والمختارون، الذين لا يُحْصَي عددهم (سيمتثلون) أمامه 000 والأبرار والمختارون كانوا كلَّهم أمامه بمثل جمال نور النار 000 بحضوره لن تهلك العدالة أبدًا ، ولن يفني الحق بوجوده " (6و7) .
2 – هذا المختار سيجلس علي عرش المجد " سيجلس مختاري على عرش المجد وسيصنف أعمالهم " (3:45) .
3 – كما يصفه أيضًا بالذي ينتمي إليه الحق " فسألت حول ابن الإنسان هذا أحد الملائكة القديسين الذي كان يرافقني ويبيِّن لي الأسرار كلها: " من هو ؟ ومن أين جاء ؟ ولماذا يرافق مبدأ الأيام ؟ " فأجابني : " إنَّه ابن الإنسان الذي ينتمي إليه الحقّ، وقد أقام العدل معه، وهو الذي سيكشف كنز الأسرار كلَّه 000 ابن الإنسان هذا
- 18 -
الذي رأيته سيرفع الملوك والجبابرة من مضاجعهم، والأقوياء من مقاعدهم سيفصم روابط الأقوياء وسيسحق أسنان الخطاة. سيطرد الملوك من عروشهم ومن ممالكهم لأنّضهم لا يُسبّحونه ولا يمجّدونه ولا يعترفون من أين جاءهم الملك. سيخفض وجوه الأقوياء، ويملؤها بالخجل " (1:46-4) .
4 – ثم يصفه في بقيَّة الإصحاحات كنورِ الأمم الموجود قبل الخليقة والذي سيسجد له جميع سكان الأرض " و(لفظ) اسمه بحضور مبدأ الأيام. قبل أنْ تُخلق الشمس والإشارات، قبل أنْ تُصنع نجوم السماء، كان اسمه قد أُعلن بحضور ربّ الأرواح. سيكون عصا للأبرار، وسيتكئون عليه بلا خوف من التعثّر . سيكون نور للأمم ، سيكون أمل للذين يتألمَّون في قلبهم. أمامه سينحني ويسجد جميع سكان الأرض " (2:48-5) . ثم يُؤكِّد بعد ذلك أنَّه أُعطي ابن الإنسان هذا كل الدينونة (27:69-29)، وأنَّه سيجلس علي عرش اللَّه (1:51-3؛6:61-8)(2).
(2) سفر عزرا الرابع : والذي كُتب قبل الميلاد، ويتكلَّم عن ابن الإنسان المهيب الرهيب الخارج من البحر، والذي يصفه بقوله " ونظرت [ وإذا بهذه الريح تُصعد من قلب البحر كائناً كان مثل إنسان،
(2) أنظر " مخطوطات قمران – البحر الميت " ج2: 45- 56, مع H.F.D. Sparks The Apocryphal O T p. 221-257.
- 19 -
ونظرت وإذا ] بهذا الإنسان يطير مع سحب السماء وحيث كان يدير وجهه لينظر كان كل ما يقع عليه نظره يرتجف ". ثم يصفه بالجبار المهيب الذي يبيد الأشرار بنفخة فمه ويضم إليه الأبرار (1:13-13)(3) .
(3) الفيلسوف اليهودي الإسكندري فيلو المعاصر للمسيح : هذا الرجل وصف ابن الإنسان بنفس الصفات المذكورة في سفر دانيَّال النبيّ ويقترب كثيرًا مما جاء عن ابن الإنسان علي لسان الربّ يسوع المسيح، ولكنه لا يعترف أنَّه يسوع الناصري(4).
5- ابن الإنسان كما لُقب به الرب يسوع المسيح نفسه:
لقَّب المسيح نفسه بلقب ابن الإنسان وكان اللَّقب المفضَّل بالنسبة له ولم يُلقِّبه به أحدٌ ولم يأتِ علي لسان أحدٍ غيره في الإنجيل بأوجهه الأربعة إلاَّ مرَّة واحدة عندما سأله اليهود " من هو هذا ابن الإنسان؟".
(3) السابق ج3: 347. مع The New English Bible. 2 Esdras ch. 13.
(4) Theological Dictionary of Thwe N. T. vol. 8 p. 410-411.
- 20 -
† وما هي الصفات التي ارتبطت به، وهل يدلّ علي لاهوته أم علي ناسوته فقط، وأنَّ المسيح مُجَرَّد إنسان فقط كما يزعُم البعض ؟
وفي البداية نقول أنَّ هذا اللقب اُستخدم في العهد القديم سواء في سفر العدد أو سفر المزامير أو سفر أشعياء أو سفر حزقيال " ابن آدم " بمعني عام هو الإنسان في إتضاعه وضعفه كالمخلوق من تراب بالمقارنة مع الله الخالق في رفعته وسموه، ولكن عندما جاء علي لسان المسيح ولَقّب به نفسه فقد استخدمه بمعني آخر ومغزي آخر تمامًا، استخدمه ليُشير به إلي نفسه كالمسيح الآتي والمنتظر الذي هو ليس مُجَرَّد إنسان من تراب، بل هو الربّ الذي من السماء، استخدمه ليُعبّر به عن نفسه كالإله المتجسِّد ، الكامل في لاهوته والكامل في ناسوته (إنسانيَّته). فقد كان هو ابن الإنسان الآتي من نسل آدم " وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ابْنَ يُوسُفَ بْنِ هَالِي 000 بْنِ آدَمَ " (لو3/23-38)، كإنسان، ولكنَّه في نفس الوقت هو " ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ" (مت16/16)، الرب الآتي من السماء، كإله. يقول القديس بولس بالروح في المقارنة بين آدم والمسيح " الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. كَمَا هُوَ التُّرَابِيُّ هَكَذَا التُّرَابِيُّونَ أَيْضاً وَكَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هَكَذَا السَّمَاوِيُّونَ أَيْضاً. " (1كو15/47-48) . فالمسيح إذًا هو ابن الإنسان الذي هو الربّ الآتي من السماء كقولِ الربّ يسوع المسيح
وخلاصة هذه الآيات أنَّ الربّ يسوع المسيح هو كلمة اللَّه وصورة اللَّه، اللَّه بكل ملئه، بكل ملء لاهوته، لكنه أخلي نفسه بمعني حجب لاهوته في ناسوته، افتقر وهو الغني " فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،
- 22 -
أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ." (2كو8/9). وقال عن نفسه " لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ " (مت8/20). ظهر في الجسد، إتَّخذ جسدًا وصورة العبد، صائرًا في شبه الناس وهيئة الإنسان، وولد من امرأة " وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ " (غل4/4)، ودُعي إنسان وابن الإنسان ولكن لم يتغيَّرْ عن كونه كلمة اللَّه وصورة اللَّه، اللَّه بملئه .
كان لقب ابن الإنسان يحمل في ذاته كلّ صفات المسيح اللاهوتيَّة والناسوتيَّة، كالإله المتجسِّد. كان يعني دائمًا، علي فمِّ الربّ يسوع المسيح، المسيح كما هو ؛ المسيح كما تنبَّأ عنه أنبياء العهد القديم والذي هو ابن إبراهيم والكائن قبل إبراهيم " قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ" (يو8/58)، أي الموجود الدائم، والذي من نسل داود ورب داود ، كقوله " أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ" (رؤ22/16)، والذي من بني إسرائيل ولكنه الإله القدير " لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ." (اش9/6)، " وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلَهاً مُبَارَكاً إِلَى الأَبَدِ." (رو9/5)، المولود من بيت لحم ولكنه الأزلي الذي لا بداية له(مي5/2)(5) .
(5) أنظر الكتاب الثاني من هذه السلسلة " هل تنبأ أنبياء العهد القديم عن المسيح؟ ".
- 23 -
كان لقب " ابن الإنسان " هو اللَّقب المفضَّل لدي الربّ يسوع والذي أطلقه علي نفسه ولم يُطلقه عليه أحد لأنَّه كان يؤكِّد دائمًا أنَّه المسيح بكلِّ صفاته كالإله المتجسِّد، فلماذا استخدمه الربّ يسوع المسيح ولم يُعلن صراحةً أنَّه هو المسيح ؟!
لم يُعلن الرب يسوع المسيح عن نفسه أنَّه المسيح الآتي والمنتظر إلا في مرَّات محدودة وخاصَّة جدًا لأنَّ لقب المسيح كان يعني في مفهوم اليهود في عصره، وما يزال، كما تصوَّروا فيما جاء عنه في نبوَّات أنبياء العهد القديم، أنَّه صاحب المعجزات والمحارب القويّ والسياسيّ القدير الذي سيُحَرِّر اليهود من الرومان ويرّد المُلك لإسرائيل (أع1/6)، ويسود علي العالم بالقوَّة ويجعل من أورشليم عاصمة العالم العسكريَّة والسياسيَّة والدينيَّة، ويجعل اليهود سادة العالم عسكرياً وسياسياً ودينياً !!(6)
(6) أنظر كتابنا " المجئ الثاني وهل سينتهي العالم سنة 2001 أو 2012 " وكتابنا القدم من سلسلة أسئلة في الكتاب المقدس : هل سيهدم اليهود المسجد الأقصي ويبنون الهيكل الثالث؟"
- 24 -
بل وفي معظم الأوقات التي تصوَّر فيها اليهود أنَّه هو المسيح الآتي والمنتظر كانوا يلقّبونه فيها بملك إسرائيل وكانوا يحاولون تتويجه ملكًا ! وعلي سبيل المثال فعندما كشف لنثنائيل بعض الأسرار، يقول الكتاب أجاب نثنائيل وقال له" يَا مُعَلِّمُ أَنْتَ ابْنُ اللَّهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!" (يو1/49)، وعندما أشبع الجموع بخمسة خبزات وسمكتين يقول الكتاب "فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ قَالُوا: «إِنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ النَّبِيُّ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ!» وَأَمَّا يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكاً انْصَرَفَ أَيْضاً إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ."(يو6/14- 15) ، وعند دخوله الإنتصاري لأورشليم يقول الكتاب أيضًا:" فَأَخَذُوا سُعُوفَ النَّخْلِ وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ وَكَانُوا يَصْرُخُونَ: «أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» " (يو12/13). ولما سأله رئيس الكهنة إنْ كان هو المسيح ابن الله الحي قال له " أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ»" (مت26/64)، فمزَّق رئيس الكهنة جبَّته وإتَّهمه بالتجديف !! وكانت تهمته التي قدموه بها إلى بيلاطس هي أنه قال أنه ابن الله وأنه ملك اليهود " ثُمَّ دَخَلَ بِيلاَطُسُ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: «أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هَذَا أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟» أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: «أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟»
كان المسيح ملكًا ولكن ليس كما فهم اليهود ومازالوا يتوقَّعون في مسيحيهم الذي ما زالوا ينتظرونه ! وإنما هو ملك الملكوت " مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ" (رؤ19/16) .
إذًا فماذا يعني لقب ابن الإنسان كما استخدمه الرب يسوع المسيح ؟ يعني اللَّقب كما بينّا أعلاه أنَّه هو المسيح، المسيَّا، الآتي والمنتظر كالإله المتجسِّد، الكامل في لاهوته والكامل في ناسوته:
(1) ابن الإنسان الذي هو رب الملائكة ؛ يقول الكتاب لما رأى الرب يسوع المسيح " نَثَنَائِيلَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ فَقَالَ عَنْهُ: «هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقّاً لاَ غِشَّ فِيهِ». قَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ التِّينَةِ رَأَيْتُكَ». فَقَالَ نَثَنَائِيلُ: «يَا مُعَلِّمُ أَنْتَ ابْنُ اللَّهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» أَجَابَ يَسُوعُ: «هَلْ آمَنْتَ لأَنِّي قُلْتُ لَكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تَحْتَ التِّينَةِ؟ سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا!» وَقَالَ لَهُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً وَملاَئِكَةَ اللَّهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ»." (يو1/47-51).
- 26 -
(2) ابن الإنسان الكلي الوجود ، الموجود في كل مكان : في حديثه مع نيقوديموس أحد قادة اليهود قال الربّ يسوع المسيح " وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ." (يو3/13). وهنا يُؤكِّد أنَّه الموجود في كلِّ مكان في السماء وعلي الأرض في آنٍ واحدٍ، فهو ابن الإنسان النازل من السماء والصاعد إلي السماء والموجود في نفس الوقت في السماء. وقد أكَّد ذلك أيضًا في قوله لليهود " فَإِنْ رَأَيْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ صَاعِداً إِلَى حَيْثُ كَانَ أَوَّلاً!" (يو6/62).
(3) ابن الإنسان هو ابن الله الذي له كل ما لله الآب من صفات وألقاب ويعمل جميع أعمال الله : يقول الكتاب " فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ». فَمِنْ أَجْلِ هَذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ اللَّهَ أَبُوهُ مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللَّهِ. فَقَالَ يَسُوعُ لَهُمُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الاِبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهَذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ. لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الاِبْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي كَذَلِكَ الاِبْنُ أَيْضاً يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ.
(5) ابن الإنسان هو ابن الله الحي: يقول الكتاب " وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟» فَقَالُوا: «قَوْمٌ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ
(6) ابن الإنسان هو رب الملائكة والبشر الذي سيأتي على السحاب عند نهاية العالم ليدين المسكونة بالعدل ويجازي كل واحد بحسب أعماله " فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ" (مت16/27).
وهكذا وبعد آلامه وقيامته كابن الإنسان، كالإله المتجسِّد، لم يعدْ يستخدم ذلك اللَّقب الذي كان مُحببًا إليه وإنما استخدم لقبه الأساسي " الربّ " والذي استخدم في سفر أعمال الرسل وحده 110 مرة عن المسيح الممجد القائم من الأموات والجالس عن يمين العظمة في السموات كربّ الخليقة ومدبِّرها، كما قال عنه القديس بطرس " هَذَا هُوَ رَبُّ الْكُلِّ" (أع10/36).
والخلاصة هي أنَّ لقب ابن الإنسان استخدمه الربّ يسوع المسيح وأطلقه علي نفسه ولم يُطلقه عليه أحد ليُعبِّر به عن كونه الإله المتجسِّد، المسيح الآتي والمسيَّا المنتظر، ابن داود وربُّه وابن إبراهيم وهو الكائن الدائم الأبديّ الأزليّ الذي لا بداية له ولا نهاية، المولود من اليهود بحسب الجسد وهو الكائن علي الكلِّ الإله القدير والمبارك إلي الأبد. إنَّه لا يُبرهن أنَّ المسيح مُجَرَّد إنسان فقط وإنما يُبرهن لاهوته كما يُبرهن حقيقة ناسوته، تجسُّده وكونه الإله المتجسِّد الذي فيه يحلّ كلّ مِلء اللاهوت جسديًا، اللَّه بكلِّ مِلْئِه، فهو اللَّه الظاهر في الجسد.
لقب ابن الإنسان هل يدل علي أنَّ المسيح إنسان فقط ؟