Admin + † + † +
الانتساب : 05/02/2010 المشاركات : 55
| موضوع: نقد الشكل والعهد الجديد الإثنين فبراير 15, 2010 5:56 am | |
| في هذا الفصل سنقوم بفحص المعتقدات الأساسية لمدرسة نقد الشكل. كما سنقدم إجابات محددة للافتراضات والنتائج الأساسية.
إن نقد المصدر يمكن فقط أن يعود بالشخص إلى المصادر المكتوبة عن حياة المسيح، والتي يبدو أنها لا يمكن أن تكون قد كتبت قبل مرور 25 عاماً على الأقل من بعد الأحداث التي قاموا بتسجيلها. ولقد حدث نقل لهذا المحتوى بواسطة الكلام الشفهي حتى تمَّ تدوينه في شكل الأناجيل، ونقد الشكل يحاول أن يملأ هذه الفجوة التي تم فيها تناقل الروايات بواسطة النقل الشفهي.
يزعم نقَّاد الشكل أن الأناجيل تتألف من وحدات أو فصول صغيرة مستقلة. هذه الوحدات الصغيرة المنفردة تمَّ ترويجها ونشرها بشكل مستقل كل على حدة. ويعلِّم النقَّاد أن هذه الوحدات اتخذت تدريجياً شكل أنماط متنوعة من الكتابة والأدب الشعبي مثل الأساطير والحكايات والخرافات والأمثال.
وتبعاً لنقد الشكل، فإن تكوين وحفظ هذه الوحدات كان مصمماً ومحدداً على أساس احتياجات الجماعة المسيحية الأولى. بمعنى آخر، عندما كانت الجماعة تواجه مشكلة فإنها كانت تلجأ إما إلى اختلاق أو إبراز مقولة أو حادث ليسوع للتعامل مع متطلبات هذه المشكلة بالذات. ومن ثم فإن هذه الوحدات ليست شواهد أساسية على حياة المسيح ولكن بالأحرى يمكن اعتبارها معتقدات وممارسات الكنيسة الأولى.
هذا النقد يقترح أن كتَّاب البشائر لم يكونوا الكتَّاب الحقيقيين بقدر ما كانوا المحررين للأناجيل الأربعة. فلقد أخذوا الوحدات الصغيرة ووضعوها في إطار ظاهري لكي تساعد في الوعظ والتعليم. والتعبيرات مثل «في الحال» و«مرة أخرى» و«بعد أيام قليلة» و«بينما» و«بعد ذلك» كلها ليست تعبيرات تاريخية. لكنها في المقابل تقدم إطاراً زائفاً لدمج الوحدات أو الأحداث المنفصلة معاً. هذه التعبيرات التي تدل على الترتيب الزمني تخدم كأداة للربط بين هذه الوحدات الأدبية المتفرقة.
كانت مهمة نقد الشكل هي اكتشاف «قوانين التقليد» والتي تحكم عملية تجميع وتطوير وتسجيل هذه الوحدات المتفرقة. ثم ومع إزالة الإطار التحريري الزائف للترتيب الزمني الذي قدمه البشيرون، يشكِّل المحاولات النقدية لاسترجاع الشكل الأصلي للوحدات أو الفقرات وتحديد الغرض العملي الذي دفع الكنيسة الأولى للحفاظ علىها وتدوينها.
وبهذا المنهج كان من المعتقد أن المرء يستطيع أن ينفذ إلى ما وراء المصادر المكتوبة إلى حقبة التناقل الشفاهي، وتقرير أسباب ظهور أنماط مختلفة من الأحداث والتي صارت في النهاية جزءاً من الأناجيل».
وفي النهاية أضحى نقد الشكل أكثر من مجرد تحليل أدبي. بل تطور إلى تحليل تاريخي وبدأ في إصدار أحكام على مدى تاريخية فقرات أي وحدات متنوعة.
1(أ) تعريفات
1(ب) إن نقد الشكل هو أساساً ترجمة للكلمة الألمانية Formgeschichte، ترجمتها الحرفية هي «تاريخ الشكل».
نقد الشكل هو دراسة أشكال الكتابة الأدبية والوثائق التي تحفظ التقليد المبكر. وتقدِّم افتراضاً أساسياً على أن الاستخدام المبكر والشفهي للتقليد صاغ المادة ونتج عنه تنويعة من الأشكال الأدبية التي وجدت في التسجيل النهائي المكتوب. ولذا فإن دراسة هذه الأشكال يسلِّط الضوء على حياة وفكر الناس الذين حفظوا التقليد.
2(ب) يقدم روبرت سبيفي ومودي سميث في كتابهما «تشريح العهد الجديد» تعريفاً جديداً لمنهج نقد الشكل باعتباره «تصنيف الأشكال التي تم تجميع التقليد فيها وخاصة التقليد الإنجيلي قبل أن تدوَّن، ومحاولة تحديد خلفية حياة الكنيسة التي يمثلونها».
3(ب) كما يلاحظ ب.ريدليش وهو ناقد للشكل: نقد الشكل هو منهج للدراسة والفحص يتعامل مع مرحلة ما قبل الكتابة لتقليد الإنجيل، عندما كانت المادة يتمّ تناقلها شفهياً. وهو يهدف إلى اكتشاف أصول وتاريخ المادة المتمثل في الروايات والأقوال التي قامت عليها الأناجيل، وإلى تفسير كيف اتخذت الروايات والأقوال الأصلية شكلها الحالي في الأناجيل. كما أن نقد الشكل مهتم بالعمليات التي تؤدي إلى صياغة وتكوين الأناجيل.
يعدد لورنس ماكجينلي خمسة مباديء أساسية لنقد الشكل:
1- الأناجيل المتوافقة (الأزائية) هي مؤلفات مركبة وشائعة ذات طابع أدبي مميز.
2- وهي تصور عقيدة المسيحيين الأوائل الذين اختلقوها ولكنها لا تصور حقيقة يسوع التاريخي.
3- وهي تجميعات ظاهرية لوحدات منعزلة ومتباعدة من التقاليد.
4- هذه الوحدات بها في الأصل شكل أدبي محدد يمكن استبيانه.
5- وهذا الشكل تم إبداعه من خلال موقف اجتماعي محدد.
4(ب) يعرف ج.أ. لادد نقد الشكل بما يلي: إن «نقد الشكل» يهتم بدراسة الأشكال الأدبية المتنوعة التي يفترض أنها التقليد الشفهي الذي تمَّ تناقله من فم إلى فم. وخلف هذه الدراسة تكمن الفرضية أن ثمة قوانين محددة للتقليد الشفهي عندما يتم تطبيقها على الأناجيل سوف تقود إلى استعادة الشكل الأول والأقدم للتقليد. وبدراسة متعمقة لهذه الأشكال فإنها تقود إلى الخلاصة النقدية التي تقول بأن محتوى الأناجيل في مراحلها المبكرة كان يعتمد على التناقل الشفوي كوحدات وحكايات وقصص وأقوال وتعاليم وأمثال غير متصلة. وكل وحدة من التقاليد لها تاريخها الخاص في الكنيسة. إن الموجز التاريخي لأعمال يسوع كما هو موجود في إنجيل مرقس ومجسَّد بشكل كبير في متى ولوقا ليس جزءاً من هذا التقليد، ولكنه من اختلاق مؤلف الإنجيل الثاني، الذي قام بجمع الكثير من وحدات التقليد، وابتدع موجزاً تاريخياً لأعمال يسوع، واستخدم هذا الموجز كخيط روائي يمكن من خلاله تقوية العلاقة بين الجزيئات المنفصلة من التقاليد المستقلة. وهذا يعني أن الإشارات التي تدل على التتابع الزمني والمكاني وما يماثلها في الأناجيل هي إشارات غير أًصيلة تاريخياً على الإطلاق وغير جديرة بالثقة، ومن ثم يجب تجاهلها من قِبَل نقَّاد الإنجيل الجادّين. وكنتيجة لذلك نحن لا نملك في الحقيقة سجل حياة أو «سيرة حياة» يسوع، ولكن فقط مجموعة من الحكايات والتعاليم المنفصلة التي تم ربطها معاً بأسلوب غير تاريخي وسطحي
5(ب) أما رودلف بولتمان وهو ناقد راديكالي للشكل فيوضِّح المدخل لنقد الشكل في قوله: منذ ما يزيد عن أربعين عاماً الآن، ودارسو العهد الجديد على دراية بوجود مدرسة للبحث في الإنجيل تعرف باسم نقد الشكل - أو بدقة أكثر تاريخ الشكل Form History ولقد كرَّست هذه المدرسة اهتمامها على تحليل الوحدات المكونة التي بنى التقليد على أساسها الأناجيل المتوافقة وهي تسعى إلى دراسة التقليد الشفهي في مرحلة سابقة لتبلوره في الأناجيل، أو حتى في المصادر التي تأسست عليها الأناجيل، سواء كانت وثائق مكتوبة أو حلقات من التقليد المتكرر - مثل التقليد (Q) وهو مخطط تمهيدي يشرح خدمة يسوع، هذا المخطط كان قد سبق إنجيل مرقس. كما أنه يدرس التتابع في الروايات والمحتويات الخطابية والروايات العاطفية وغيرها.
ويستمر في شرحه: يبدأ نقد الشكل مع إدراك أن التقليد الذي تضمنته الأناجيل المتوافقة يتكون في الأصل من وحدات منفصلة، تم جمعها معاً تحريرياً بواسطة كتَّاب البشائر، ومن ثم فنقد الشكل مهتم بتمييز واستخراج وحدات التقليد هذه، وكذلك اكتشاف أول وأقدم أشكالها وأصولها في حياة المجتمع المسيحي المبكر. إن نقد الشكل ينظر إلى الأناجيل كتجميعات (أو مجموعة مقتطفات) لهذه المادة الأقدم. ولكنه أيضاً يدرس الأناجيل باعتبارها أعمال كاملة سعياً لتقدير وتحديد حجم الأنشطة الأدبية لكتَّاب البشائر ولاكتشاف الدوافع اللاهوتية التي قادتهم وأرشدتهم.
2(أ) أهداف نقد الشكل يلخص ر.هـ ليتفوت أهداف نقد الشكل:
هذه المدرسة تذكِّرنا أن الكنيسة الأولى بلاشك اعتادت أن تعبِّر عن نفسها بأسلوب أدبي. وهي تعتقد أولاً، أنه في السنين الأولى لم يتمّ تناقل ذكريات وتقليد الكلمات والأعمال الخاصة بيسوع سوى من خلال التناقل الشفهي من فم لفم. وثانياً، هذه التقاليد والذكريات ليس لها قيمة كبيرة (كما كنا نتوقع) في ذاتها، لكن أهميتها تكمن في حلّ المشكلات المتصلة بحاجات الكنائس الوليدة. كما تعتقد هذه المدرسة أن هذه الحاجات كانت منصبَّة في معظمها على الإرساليات التبشيرية، والتعاليم الكرازية، وتأسيس القناعات، وكذلك توضيح معنى الحياة المسيحية، ودحض الاعتراضات من قِبَل اليهود أو غيرهم، وربما تأتي العبادة فوق كل شيء. وهي تؤمن علاوة على ذلك أن هذه التقاليد والذكريات سوف تظهر في المقام الأول في شكلين: الشكل الأول: القصص القليلة المتفرقة، والشكل الثاني: أقوال يسوع سواء في تجميعات متجمعة أو صغيرة، وكلاهما سوف يتخذ تدريجياً صيغة متجمعة بشكل كلي أو جزئي، ومن خلال التكرار المستمر في الكنائس. وبغض النظر عما هو صحيح من الأقوال، فسوف تحاول القصص تشكيل نفسها على مثال القصص المشابهة عن المعلمين والقادة في العالم اليهودي أو الهيلِّيني. وأخيراً، تقترح هذه المدرسة أن كثيراً من هذه التقاليد السابقة للتدوين مازال يمكن تمييزها في الأناجيل المكتوبة التي بين أيدينا وخاصة إنجيل مرقس، وإلي حد ما يمكن تصنيفها تبعاً لطرازها أو شكلها، ومن هنا اشتق اسم هذه الدراسة الجديدة. (Light foot, HIG,30-31)
يقدِّم مارتن ديبليوس تفسيراً لذلك: «إنها تحاول أن تملأ الفجوة في العهد الجديد بواسطة الأساسات المشتركة التي تقوم عليها عقيدة يسوع المسيح ورواية يسوع الناصري». (Dibelius, GCC,18)
ويضيف مستشهداً بأحد أهداف منهج نقد الشكل، في المقام الأول بإعادة بناء وتحليل، تسعى لتفسير أصل التقليد الذي يتحدث عن يسوع، وبعدها بواسطة الاختراق إلى فترة سابقة للفترة التي سُجِلت فيها الأناجيل والمصادر المكتوبة. (Dibelius, FTG,Preface)
ويقول ديبليوس: «إنها تسعى لتوضح المغزي والاهتمام الحقيقي لأقدم التقاليد لنا لكي نعرف بموضوعية القصص التي كانت ترويها الكنيسة الأولى عن يسوع، وتتناقلها من فم لفم كروايات مستقلة أو تنسخها من بردية لبردية. وبنفس الطريقة يجب أن نختبر أقوال يسوع، ونسأل عن القصد والغرض الذي جعل هذه الكنائس تجمعها، وتتعلم منها، وتدونها. (Dibelius, FTG, Preface)
أكد رودلف بولتمان أن «المبدأ المركزي لنقد الشكل قد تمَّ تأسيسه بالكامل، بمعنى أن التقليد الأكثر قِدَماً للإنجيل تناقل شفوياً داخل الكنيسة التي كان التقليد يخدم احتياجاتها الروحية. وهذا التقليد بدأ يتجمع تدريجياً إلى مجموعات وكتل أو متتابعات وأخيراً أناجيل. (Bultmamn, FC,9)
وهو يشرح أن نقد الشكل قد تطور حتى أصبح «محاولة لتطبيق على الأناجيل مناهج نقد الشكل التي طبقها جونكل وتلاميذه بالفعل على العهد القديم. وهذا يتضمن اكتشاف حقيقة الوحدات الأصلية من الأناجيل المتوافقة، بما فيها الأقوال والقصص، سعياً لإدراك ماذا كان وضعهم التاريخي، وهل ينتمي إلى تقليدي أساسي أم ثانوي أو أنه ناتج عن التنقيح». (Bultmann, HST,2-3)
3(أ) المنهجية يسجل فينسنت تايلور الخطوات التي يتم اتخادها في نقد الشكل:
1- تصنيف المادة تصنيفاً شكلياً. 2- استرجاع الشكل الأصلي. 3- البحث عن المواقف الحياتية. (Taylor, FGT,22)
يلخص روبرت مونسي إجراءات نقد الشكل بالأسلوب التالي: يبدأ الناقد الشكلي أولاً في وضع قوائم بالطرز المتنوعة للأشكال التي يمكن تقسيم روايات الكتاب المقدس إليها. ثم يحاول تحديد الموقف الحياتي أو الموقف في الحياة الخاص بالكنيسة المبكرة الذي يعتبر السبب وراء تطور كل نص من النصوص الموضوعة في هذا التصنيف. هل كان الخوف من الاضطهاد؟ هل كان حركة الكنيسة الأممية خارج السيطرة اليهودية؟ هل كان وراء ذلك هرطقة؟ وهكذا...إلخ.
وبعد تحديد الموقف الحياتي، يمكن بعد ذلك احتساب التغيرات التي حدثت ونزع وتجريد الأجزاء التي أضيفت إلى أقوال يسوع. والنتيجة هي عودة أقوال الإنجيل إلى وضعها الأصلي أو استبعادها. (Mounce, I)
4(أ) الخلفية والتاريخ
1(ب) الخلفية تأسست مدرسة نقد الشكل في ألمانيا في السنوات التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الأولى. (Redlich, FC,16)
يشرح فلويد فيلسون التاريخ المبكر لنقد الشكل الخاص بالأناجيل المتوافقة:
لقد ظهر جلياً كمنهج قاطع في أعمال شميدت عام 1919، وم. ديبليوس 1919، وبولتمان عام 1921، والعلماء الثلاثة مازالت أعمالهم سائدة في هذا الحقل الدراسي. وقد بنيت على الأساس الذي وضعه العديد من الرواد، مثل دراسات أولريك للقصص الشعبية، وتحديد جونكل للتقليد الشفوي الذي ظهر في العهد القديم، واهتمام فلهوزن النقدي بالموضوعات الفردية في تقليد الإنجيل وللمراحل المبكرة لهذا التقليد، ودراسة نوردن للأسلوب النثري وخطابات التبشير، إلخ. وقد قامت النظرية على مبدأ أن المصادر المكتوبة لا يمكن أن تملأ الفجوة بين يسوع وبين الأناجيل المكتوبة. ولذلك تطلب الأمر دراسة فترة التقليد الشفهي.
كان العلماء البارزون في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى في المانيا من بينهم برنارد فيس، هولتزمان، وفردي، وچوهانيس لميس، فلهوزن، وجونكل، وروندلاند.
في هذا المجال من نقد الشكل يقدم استون بعض المؤلفين البارزين وكتاباتهم: المؤلفون على التوالي، مارتن البرتز، ورودلف بولتمان ومارتن ديبليوس وكارل لودفيج شميدت. وبينما أعمالهم على قدر كبير من التنوع، فإن كل ما يربطهم هو الجهد الجوهري في سعيهم لتحديد طبيعة التقليد الأول للإنجيل بدقـة وتقرير بعـض القوانين التي تحكم تكـوين وانتقال هذا التقليد.
ومن بين نقَّاد الشكل البارزين أيضاً نينهام ليتفوت.
البعض ممن أقل راديكالية في مدرسة النقد الشكلي من بينهم فردريك جرانت، وس.هـ. دود، و.ب.س. استون وفينسنت تايلور، هؤلاء الرجال تأثروا بأفكار بولتمان ورفاقه، كما هو واضح في كتاباتهم واستخدامهم لنفس المصطلحات أو مصطلحات شبيهة بتلك المدرسة.
ويواصل رودلف بيش شرحه للتطورات المبكرة لمدرسة نقد الشكل ويقول: «مع بدايات القرن العشرين أعلن فيتس بوضوح أن أبحاث الأشكال الأدبية الخاصة بالأناجيل والمجموعات المستقلة من المواد التي بداخلها كانت واحدة من «مهام الأبحاث العلمية الحديثة على العهد الجديد». ولكن العالم ج.هيرور كان قد سبقه للمرة الأولى في إدراك المشكلات التي تتواجد في بحوث نقد الشكل على الأناجيل. وهناك شخص آخر سبقه في حوالي نهايات القرن التاسع عشر كان ف. اوفريك الذي دعا «تاريخ الأشكال» لـ«الأدب البدائي (القديم) للمسيحية». وقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، بدأ العالمان الكلاسيكيان فيندلاند ونوردن في أبحاث نقد الشكل على العهد الجديد في اتجاهات محددة ومهمة، وبعد الحرب بدأت فعلياً مرحلة مدخل نقد الشكل.
ويقول مويل أنه يبدو أن الدافع الجديد قد جاء أولاً من العمل في الفلكلور (القصص الشعبية) خاصة في العهد القديم، من خلال باحثين من الدول الاسكندنافية وألمانيا، الذين اهتموا بأبحاث القواعد الخاصة بالتناقل الشفوي. وهم يسألون عما حدث بالفعل للقصص عندما تم تناقلها من فم إلى فم في جماعة غير مطَّلعة على الكتابة والأدب؟ وتدريجياً ظهر مبدآن مهمان على الأقل للرد عليهم: الأول، يقوم على أنه من خلال فحص قدر كبير من الأمثلة، يمكن للمرء أن يميز أكثر الأشكال التقليدية أو الأشكال التي تتخذ في القصص في مراحل متعاقبة من الانتقال لتكون قابلة - بدرجة ما من الدقة - أن تزيل الشكل الأخير من قصة ما بواسطة نوع من العمليات أشبه بتقشير البصل، حتى تصل إلى أكثر أشكالها قِدَماً وتأصلاً. وثانياً، من الخطأ أن نتعامل مع نوع الوثائق المكتوبة والتي تخضع الآن للدراسة وكأنها «وثائق أدبية» طالما أن التأثير الجمعي للجماعات كان بشكل عام أكثر أهمية من أي فرد في صياغة القصة بل وحتى في تشكيل وقولبة الوثيقة بأكملها.
أما ف.ماكنيت في دراسته القصيرة ولكنها شاملة عن نقد الشكل: «ما هو نقد الشكل؟»، فيمدنا بمعلومات خلفية إضافية فيما يتعلق بالأوضاع التي نصل إليها عبر نقد المصدر: مع الربع الأول من القرن العشرين وصلت الدراسات النقدية للأناجيل المتوافقة إلى المواقف التالية: (1) تمَّ قبول فرضية (الوثيقتين) وأصبح مرقس والوثيقة التي تحمل عنوان (Q) هما المصدر لإنجيلي متى ولوقا.
(2) لقد تأثر مرقس وكذلك (Q) وأيضاً متى ولوقا بوجهات النظر اللاهوتية الخاصة بالكنيسة المبكرة.
(3) لا يحتوي مرقس و(Q) على الكتابات القديمة الأصلية (الحقيقية) فقط، ولكنهما يحتويان أيضاً على كتابات من تاريخ لاحق.
2(ب) التاريخ وضع باترسون في مقال له بعنوان «تأثير نقد الشكل على دراسة عقيدة المسيح (الكريستولوچي)» شرحاً وافياً لتاريخ نقد الشكل.
لاحظ دونالد چوثري أن ثمة ارتفاع جدير بالملاحظة في مدى قبول نقد الشكل. وهو يلاحظ أن كثيراً من التأثيرات ساعدت على إنتاج والحفاظ على هذه الحركة، ومن بين هذه التأثيرات:
1- نقاط الضعف في نظرية نقد المصدر. ولكونها نقد أدبي ونقد مصدري حدَّت نفسها في حدود الوثائق المتاحة. وعند دراسة متى ولوقا فشل الناقد المصدري أن يتعامل مع الفترة التي تمتد من 20 إلى 30 عاماً التي تأتي بين موت يسوع واللحظة التاريخية التي ظهرت فيها هذه المصادر المكتوبة. أما نقاد الشكل فهم يحاولون وضع هذه الفترة الزمنية في حسبانهم.
2- البحوث الكبيرة عن مدى الصحة والدقة التاريخية لمرقس، فقد بدأ فيلهام فريدي هذا الاتجاه من خلال نظريته «السر المسياني» التي تقول إن مرقس كتب إنجيله بهدف نقل رسالة إعلان مسيانية يسوع أو «السر المسياني».
وفيما بعد تقدم فلهوزن باقتراح فكرته القائلة بأن التقليد الأصلي أو الأول في مرقس تعرَّض للمزج بكتابات إضافية من مؤلفي الإنجيل. كما اعتمد بشكل كبير على التفكير المسيحي لهذه الفترة.
3- الرغبة في تحديث الأناجيل، لأن رؤية القرن الأول للعالم لم تعد سائدة، تبعاً لنقَّاد الشكل. فلذلك ظهرت رغبة جادة بين اللاهوتيين لتحديث الإنجيل حتى يلائم العالم في القرن العشرين.
4- إن محاولة وضع المواد المكتوبة في حالتها الأصلية، هذا الاندفاع لوحظ من قبل في دعوة نقَّاد الشكل إلى البحث عن خلفيات الإنجيل.
5(أ) أبرز مؤيدي نقد الشكل
1(ب) مارتن ديبليوس مارتن ديبليوس هو مؤلف «من التقليد إلى الإنجيل» «مدخل جديد للعهد الجديد والكتابات المسيحية المبكرة» و«نقد الإنجيل والكريستولوچي» و«يسوع» وأعمال بارزة أخرى. وقد كان واحداً من أشهر نقاد الشكل الأوائل، وفيما يلي عرض موجز لمدخله لنقد الشكل.
هو يعلِّق أولاً بأن «عند الاهتمام بإجراء بحث في تاريخ شكل الأناجيل، يجب علينا أن نهتم قبل كل شيء وأهم من أي شيء بقطاع واحد من الكتابات المسيحية المبكرة وهو بالتحديد الأناجيل المتوافقة.
ويواصل شرحه قائلاً: «إن الفهم الأدبي للأناجيل المتوافقة يبدأ مع إدراك أنها عبارة عن تجميعة من الكتابات والمواد، والقائمون بإعدادها لا يمكن اعتبارهم مؤلفين إلا في أضيق الحدود. بل هم بالدرجة الأولى ليسوا سوى جامعين أو محررين. وقبل كل شيء فإن عملهم يختص بكتابة وتجميع وتحرير الكتابات أو المواد التي وصلت إليهم.
ثم يعلن ديبليوس هدفه الشخصي في نقد الشكل: «لقد حدانا الأمل أن نكون قادرين على اختبار وفحص مدى مصداقية وأصالة التقليد الخاص بحياة يسوع عن طريق توظيف المعايير الجديدة والأقل تحيزاً أو ذاتية، وذلك للهروب من الأحكام العشوائية الاستبدادية الخاصة بالمعالجة النفسية لحياة يسوع. وأخيراً إلى حد ما لتأسيس معرفة وطيدة أكثر ثباتاً بكلمات وأعمال يسوع».
وهو يفسِّر بأن «أول فهم ينتج عن وجهة نظر (نقطة استشراق) نقد الشكل هو أنه لم يوجد أبداً شهادة تاريخية نقية عن يسوع. وكل ما قيل عن كلمات يسوع وأعماله كانت دائماً شهادات تعبِّر عن عقيدة تم صياغتها من أجل التبشير والوعظ سعياً لهداية غير المؤمنين وتأكيد إيمان المؤمنين. المسيحية لم تؤسس على أساس العلم والمعرفة بعملية تاريخية حدثت في الواقع، وإنما الثقة بأن مضمون القصة كان هو الخلاص: البداية الحاسمة للنهاية».
يعتقد ديبليوس أن الأناجيل لم تقصد أن تصوِّر شخص يسوع المسيح، وفي هذه الحالة لا ينبغي أن نفحص التقليد الذي حفظ في الأناجيل. ولكن إذا بحثنا في الأناجيل، عن معلومات تتعلق بشخصية وسمات المسيح فلن نجد أياً منها. وبواسطة استخدام أساليب البحث العلمانية، وعدم الوصول بها إلى أي إجابات، فهنا يجب علينا أن نستنتج أن التقليد لم يكن مكتوباً.
ينعكس غنى المسيحية الأولى في الأشكال المتعددة للتقليد الإنجيلي. لقد كان الشكل يتم تحديده بناءً على متطلبات الكنيسة التي تظهر أثناء العمل التبشيري والوعظي.
لقد كانت الكنيسة الأولى كنيسة مرسلة، وكان الغرض التبشيري هو السبب وأما الوعظ والتبشير فكانت هي الوسيلة لنشر وإعلان في كل مكان ما كان تلاميذ يسوع يمتلكونه من ذكريات.
الذي دفع الكنيسة الأولى، لمثل هذا النشر والوعظ بالتقليد كان عمل التبشير بواسطة الذين شعروا أنهم ملتزمون به كهدف مرسلي.
عندما يتحدث ديبليوس عن الوعظ، فهو يؤكد «أن الأشكال المتاحة من الدعاية المسيحية التي تشمل الوعظ المرسلي، والوعظ أثناء العبادة والوصايا. وهذه الإرسالية المسيحية في العالم كانت السبب المبدئي لكل هذه الأنشطة المختلفة».
ثمة رواية واحدة فقط كاملة تتعلق بجزء من حياة المسيح وهي «قصة آلام المسيح» والهدف الأساسي لقصة آلام المسيح تبعاً لديبليوس لم تكن لتأكيد القصة ولكن لتوضح أن ما حدث من آلام حدث بإرادة الله.
أما باقي مجموعات التقليد الأخرى فتتواجد بلا أي رابطة تربطها بباقي المجموعات.
بإيجاز، نرى أن ديبليوس يتحدث عن تكوين وشكل التقليد الإنجيلي:
«عندما نقتفي أثر التقليد ونرجع معه إلى مراحله الأولية، لا نجد أي وصف لحياة يسوع، ولكن فقط فقرات قصيرة. وهذه هي الفرضية الأساسية لمنهج نقد الشكل».
2(ب) رودلف بولتمان هو استاذ جامعة سابق في دراسات العهد الجديد في عدة جامعات. تقاعد عن الأستاذية في عام 1951، ولكنه استمر في تأثيره العالمي تبعاً لإسهاماته البارزة في مجال الدراسات النقدية المعاصرة للعهد الجديد. قام بولتمان بتأليف العديد من المؤلفات يشرح فيها وجهة النظر الخاصة بنقد الشكل. ونذكر منها «تاريخ التقليد المتوافق»، «يسوع والكلمة»، لاهوت العهد الجديد» وأيضاً، «يسوع المسيح وعلم الميثولوچيا(علم الأساطير)
1(جـ) وفيما يلي نقدم مجموعة مختارة من الفقرات عن بولتمان أو على لسانه: يعلِّق كلاس رونيا على التأثير الذي أحدثه بولتمان على العالم:
لقد كان برنامج بولتمان يمتلك تأثيراً ضخماً على لاهوت ما بعد الحرب. فتقريباً كل اللاهوتيين الألمان الكبار اليوم هم تلاميذ سابقون له، أو على الأقل تأثروا بشدة بأسلوب تفكيره. وفي الولايات المتحدة الوضع مشابه بل ربما هناك أفكار أكثر راديكالية دافع عنها بول تيليك ومرة ثانية يجب أن نقول إن الكثير من اللاهوتيين الكبار ينتمون إلى مدرسته. بل يذهب البعض أبعد من ذلك ليقولوا «إن الفكرة التقليدية عن الله، التي تستمد من الكتاب المقدس، قد ماتت».
ويستكمل رودلف بيش: «إن بولتمان الذي تأثرت أفكاره بقوة شديدة بالدين المقارن والنقد التاريخي، هو من صاغ الحقيقة القائمة على أن الكتابة الأدبية التي تعكس حياة جماعة محددة - حتى لو كانت الجماعة المسيحية المبكرة - هذه الكتابة تنبع من ظروف وحاجات اجتماعية محددة بدقة، ينتج عنها أسلوب محدد بدقة وأشكال وفئات دقيقة تماماً».
ويلاحظ هـ.ن. ريردربوس أن مدخل بولتمان لدراسة العهد الجديد يقوم على مقارنته بالأديان غير المسيحية ومدى تطورها، هذا المدخل يسمى بمنهج تاريخ الدين.
وقد اشتهر بولتمان بمنظوره التشككي تجاه الأناجيل، ولقد توصل إلى أن المرء لا يمكنه سوى تأكيد عدم يقينية ما وصل إلينا من معرفة عن شخص وعمل يسوع التاريخي وبالمثل عن أصل المسيحية.
يشرح بولتمان تطور نقد الشكل بقوله إن: أشكال التقليد المكتوب يجب أن تُستخدم لتحديد التأثيرات التي تعمل في حياة الجماعة، وحياة الجماعة يجب أن تُستخدم لكي نستخلص منها الأشكال نفسها بوضوح.
ويناقش بولتمان منهجه: «الخطوة الأولى هي التمييز بين المادة التقليدية التي استغلها البشيرون وإضافاتهم التحريرية».
2(جـ) قليل من التعليقات والنقد يشير لادد أن أحد مناهج بولتمان الأساسية في إعادة تنظيم التاريخ المبكر للفكر المسيحي وتأسيس مادة ذات مصداقية تاريخية عن يسوع هو «المنهج الديني المقارن».
«هذا المنهج تبلور في الدراسات الألمانية والتي تزعم بأن أي ظاهرة دينية محددة يجب أن تقيم تفهَّمها عن طريق المصطلحات النابعة من بيئتها الدينية.
لاحظ شوبرت أوجدن في كتابه «المسيح بلا أساطير» أن الخطوة الأولى في النقد لأطروحة بولتمان هي إظهار أن معناها بالكامل ربما يتم اختزاله في اقتراحين فقط (1) إن تفسير الإيمان المسيحي بصورة شمولية هو السبيل الوحيد لليقين التاريخي سواء كان ذلك يتم توضيحه بنحو كاف أم لا بواسطة تحليل فلسفي ملائم.
(2) الإيمان المسيحي يمكن إدراكه فعلياً، فقط من خلال الحدث التاريخي الخاص بيسوع الناصري والذي هو الحدث الأصلي للكنيسة وما فيها من كلمات وطقوس مميزة.
والخطوة الثانية في النقد تكمن في البرهان أنه كما أبرز بارت وبوري وغيرهما، فإن هذين الاقتراحين بينهما تعارض وتنافر متبادل.
يشرح ادوارد ألوين وجهة نظر بولتمان لما نستطيع أن نعرفه عن يسوع بهذه الطريقة: (من هو الرجل يسوع؟) إنه شخص مثلنا وليس صورة أسطورية، وهو لا يمتلك إشعاعاً مسيانياً، إنه رجل حقيقي ولكنه رجل فقط، معلم ونبي، عمل لفترة وجيزة وتنبأ بالنهاية الوشيكة للعالم ومجيء ملكوت الله، كما أنه جدد بقوة أكثر احتجاج أنبياء العهد القديم العظام ضد التقيد بالشريعة والعبادة الطقسية الشكلية لله. ويسوع أسلمه اليهود إلى الرومان فصلبوه. ولكن أي شيء آخر عنه فهو غير مؤكد ومشكوك فيه بل وأسطوري.
أما دونالد جوثري فيحدد السبب الباطن الذي يكمن وراء لاهوت بولتمان وذلك في كتابه «مقدمة للعهد الجديد»:
إن محاولات بولتمان لتنقية النص من الخرافات، قادته إلى البحث عن مدخل إلى الأناجيل يحرره من الحاجة إلى برهان تاريخي. فقط ما يسمى بـ«الأكثر بساطة» من وجهة نظره، هو أن يلجأ للإيمان. كما أنه حثَّ أكثر على هذا المدخل غير التاريخي من خلال التزامه بالفلسفة الوجودية. حتى أنه نتيجة تأثره العميق بالفيلسوف هيدجر، أكد بولتمان أن أهم عنصر في الإيمان المسيحي كان الصدام الوجودي مع المسيح.
ويذكر مارتن مارتي بإيجاز الاستجابات المختلفة تجاه بولتمان:
لقد كان بولتمان هو أعظم عالم في العهد الجديد في القرن العشرين، وهذا أيضاً ما يقوله الكثيرون من زملائه ومنافسيه. لا، بل أن بولتمان قد عكَّر ماء اللاهوت بأن ربط نفسه بالفلسفة المشوهة للفيلسوف هيدجر، هذا ما يقوله معظم المعارضين لفلسفة هيدجر وهم كثيرون. وهناك صوت آخر، يأتي من حزب لوثري كبير في ألمانيا، عن زميلهم اللوثري، رودلف بولتمان أنه كبير مهرطقي القرن العشرين.
3(ب) فينسنت تايلور فينسنت تايلور، أحد أكبر نقَّاد الشكل، كان بالفعل انتقادي تماماً في الدراسة التي كان يقوم بها. كان العمل الأساسي لتايلور في تعامله مع مجال نقد الشكل هو كتاب «بنية تقليد الإنجيل» والذي ظهرت أول طبعة له سنة 1935، في هذا العمل يعلِّق تايلور على ما توصل إليه أنه نقاط القوة والضعف الأساسية في نقد الشكل. وهو لا يحتفظ بالشكوك التاريخية الخاصة ببولتمان.
مبدئياً، يتفق تايلور مع نقِّاد الشكل فيما يتعلق بافتراضاتهم الأساسية:
يبقى لنا أن نعتبر الافتراض الأساسي لنقد الشكل، والذي يقوم أساساً على أن التقليد الأقدم يتكون من وحدات صغيرة متفرقة لا تجمعه صلات مكانية أو زمنية. بالإضافة إلى ذلك، طالما أن السؤالين متلازمان للسؤال عن المكان المقترح لإعادة تجميع شهود العيان. ومع إنجيل مرقس نجد أنه من المستحيل أن ننكر أن التقليد الأقدم كان بالأكثر عبارة عن قدر كبير من الشذرات.
وفيما يتعلق بالتقليد الشفوي كما قدمه ديبليوس وبولتمان، يميل تايلور للاتفاق معها:
يستند نقد الشكل في عمله على مبدأ أن مواد الأناجيل المكتوبة يمكن تقسيمها إلى مجموعات على أساس الاختلاف في الهيكل والشكل، وهذه الاختلافات تقدم لنا المفاتيح للأساليب التي تقدموا فيها في فترة ما قبل الكتابة. هذه الاختلافات تنشأ من الأساليب التي استخدمت فيها أجزاء الأناجيل في الحياة اليومية للكنيسة، كمادة للوعظ وللدعاية التبشيرية.
وفي الإشارة إلى هذا الموضوع الجوهري الذي يتعلق بمدى ما اختلقته الجماعة المسيحية الأولى وعلاقته بالقصة الواقعية لسيرة الحياة، يقدم تايلور هذا الافتراض:
هناك عدة أسباب يمكن افتراضها فيما يتعلق بالحاجة إلى الاهتمام بسيرة الحياة. أولاً، المسيحيون الأوائل كانوا من أصول متواضعة، لم يكونوا رجالاً مثقفين وبالتالي لم يواجهوا المشكلات التي تواجه المؤرخ. علاوة على ذلك أن عيونهم كانت مركزة على السماء الجديدة والأرض الجديدة التي يؤمنون أن المسيح سرعان ما سيجلبهما. إنهم لم يعرفوا أنه بعد تسعة عشر قرناً أخرى نحن مازلنا نفتقر إلى الاكتمال أو التحقق من القصص التي ذكروها: لا يوجد ما كان سيدهشهم أكثر من ذلك. لقد كانت آمالهم مركزة على المستقبل الأخروي ، فما حاجتهم إلى تسجيل الماضي؟ مرة ثانية أؤكد أن تكوين التقليد الخاص بيسوع كان بشكل كبير عملية اشترك فيها الكثيرون. القصص كان لها قدرة على البقاء ليس بالأكثر لأنها تحتوي على فائدة للأفراد، وأنما لأنها تصلح لحاجات المسيحيين الذين تقابلوا معاً في الرفقة الدينية، هل كان للمسيحيين الأوائل اهتمام بسيرة الحياة؟
طالما أن كتَّاب البشائر مهتمون، فيجب أن تكون هناك إجابات مختلفة بشكل ما على هذا السؤال. بالطبع لا يهدف أي واحد منهم لكتابة سيرة حياة بالمعنى الحديث لهذا المصطلح، برغم أنهم جميعاً يرغبون ويأملون أن يسردوا قصة يسوع. في الإنجيل الرابع، نرى أن الأهداف السائدة عليه هي أهداف دينية وعقائدية، ولكن المادة تُقدم في إطار تاريخي. في إنجيل مرقس نرى رغبة الكاتب في رسم مسودة للخطوط العريضة لخدمة يسوع. ونفس هذه الخطوط يتبعها إنجيل متى، على الرغم من أنه يهتم أكثر بالأغراض الوعظية والكنسية. وفي لوقا نرى أن التاريخ الذي يربط 6 وقائع في ( لو 1:3) وأيضاً في كلمات المقدمة (1:1-4) كلها تشير إلى عزم لوقا على سرد القصة في تتابع منظم، مع أننا لا نستطيع أن نزعم بأن التتابع المرتب زمنياً كان هو المقصود.
4(ب) ملخص حتى نستطيع تقديم صورة موجزة لهؤلاء المؤيدين لمدرسة نقد الشكل، من الضروري أن نضع في اعتبارنا بعض الاتفاقات والاختلافات بينهم.
1(جـ) نقاط الاتفاق بين ديبليوس وبولتمان: على الرغم أن دبيليوس وبولتمان قاما بتصنيف المادة التقليدية بشكل مختلف كلا عن الآخر، وذلك لأنهما شاهدا أشكالاً مختلفة مع مواقف حياتية مختلفة، إلا أنهما يتفقان أساساً بشأن الفرضية الأساسية. هذه الفرضية ثنائية. فهما يتفقان على أن المادة التقليدية وجِدت أولاً كوحدات قصيرة ومستقلة، وأن كل القرائن التاريخية في الأناجيل (فيما عدا قصة آلام المسيح) تعتبر عملاً تحريرياً لكتَّاب الأناجيل.
ويضيف ماكنيت ملاحظته عن نقاط التشابه بين دبيليوس وبولتمان: «إنهما يزعمان أن المواد يمكن تصنيفها شكلياً وأن هذا الشكل يتيح للدارسين أن يعيدوا بناء تاريخ التقليد.
يقترب ل.ج. ماكچينلي من ديبليوس وبولتمان بأسلوب مختلف قليلاً. وهو يشير إلى أنهما اتفقا على الأسلوب واختلفا على المصطلحات الفنية، اتفقا على المادة، واختلفا على مدى نشوء ونمو التقليد، كما اختلفا على المواقف الحياتية وأخيراً اتفقا على الإنكار التام للقيمة التاريخية لتصنيفاتهما.
ويواصل ماكچينلي:
اتفق بولتمان وديبليوس على أن شرح وتصنيف الأشكال ليس سوى جزء واحد من المهمة الملقاة على عاتق نقد الشكل. وهما قد تمسكا بأنه طالما يوجد علاقة بين الأصناف الكتابية المختلفة التي أَنتجت في جماعة وبين المهام المتنوعة لحياة الجماعة، يمكن استبيان هذه العلاقة، وكذلك الموقف التاريخي الاجتماعي الذي اختلق شكلاً محدداً ليلبي حاجة بعينها يمكن أيضاً تحديده. (Mcginley, FCSHN,18-19)
يلاحظ ماكجينلي أنه :«في السعي لإيجاد التوازيات والتطابقات في قصص الإنجيل غالباً ما يشير ديبليوس إلى الكتابات الربينية (الخاصة بالمعلمين اليهود). على الرغم من التنقيح المتأخر نسبياً لهذه الكتابات، وهو يعتقد أن الحكايات نفسها لها أصول قديمة (مبكرة) نسبياً كما أنها توضح وتشرح الروايات المتوافقة بشكل مرضي.
ويضيف ماكچينلي قائلاً:
بولتمان أيضاً لديه استخدام وافر للتصويرات والتشبيهات من التقليد الربيني. غير أنه يعتقد أن العملية التي أدت إلى تثبيته كانت أكثر تعقيداً عن تلك التي حدثت مع تقليد الأناجيل الأزائية. في الأناجيل حُفظت الأشكال أكثر نقاوة عنها في الكتابة الربينية، والتي فيها كان التكوين أكثر ارتباكاً. وفيها أيضاً الأفكار العامة كانت متنوعة ببراعة وبأسلوب فني، والأجزاء المتفرقة تمَّ إعادة صياغتها.
2(جـ) بعض أبرز نقاط النقد واحدة من أهم الاختلافات الرئيسية بين بولتمان وديبليوس هي مضمونهما أو تصورهما لـ «الدافع المسيطر» في تكوين الوحدات.
1- بولتمان: المناقشات المفترضة بين الجماعة المسيحية الأولى واليهودية كانت هي الدافع.
2- ديبليوس: «الهدف التبشيري» كان هو الدافع الفعلي و«الوعظ» كان وسيلة الدعوة والانتشار.
ويقدم فينسنت تايلور نقداً لبولتمان بقوله:
إن اختبارات بولتمان لتحديد مدى الأصالة، هي اختبارات ذاتية وغير موضوعية. هل نستطيع أن نبتعد كثيراً بواسطة انتقاء مظاهر قليلة مميزة في أقوال يسوع، وأيضاً بجعل هذه المظاهر محكاً يمكننا بواسطته أن نقرر مدى أصالة التقليد بأكمله؟ إن تقرير ما هو المميز ليس بالأمر الهيَّن، وحتى إذا استطعنا فعْل ذلك فإن الاختبار يجب على الأغلب أن يفشل لأنه حتى أعظم المعلمين كثيراً ما يقولون أشياء متشابهة. علاوة على أن المعلمين العظام يرفضون أن يكونوا مقلِّدين لنمط معين، حتى لو كان هذا النمط خاصاً بهم.
لقد اتَّبع بولتمان مارتن ديبليوس في تطور التتابع الزمني لنقد الشكل، وهو يعلِّق قائلاً: «وبالاختلاف عن ديبليوس أرى أنني مقتنعاً بالفعل بأن نقد الشكل - لأن الأشكال الأدبية مرتبطة بحياة وتاريخ الكنيسة البدائية الأولى - لا يفترض فقط إصدار أحكام على الحقائق جنباً إلى جنب مع أحكامنا الخاصة بالنقد الأدبي، ولكنه بالفعل وبكل تأكيد يقودنا إلى إصدار أحكام عن الحقائق (فيما يتعلق بمدى أصالة وصحة الأقوال وتاريخية الأحداث المذكورة، وما على شاكلتها).
يقدم الفريد فيكنهوزار نقداً شديداً ضد أبرز نقَّاد الشكل:
إن نسب هذه القوى الإبداعية الحقيقية إلى جماعة مسيحية بدائية هي بالحق عيب خطير في نقد الشكل، وقع فيه العديد من أنصار هذه المدرسة - ونجده ملحوظاً في أعمال بولتمان وبرترام وأقل حدة عند ديبليوس، وهم يؤكدون أن هناك أجزاء محددة في الأناجيل المتوافقة كانت إبداعاً خالصاً للجماعة، أو أن الأفكار والموتيفات التي اسهمت في تكوينها خاصة قصص المعجزات أو الروايات والأساطير - هي مستعارة من اليهودية وربما صورة أكثر تحديداً من الثقافة الهلينستية.
واحدة من أكبر الاتهامات التي توجه ضد نقَّاد الشكل تتعلق بالمذهب الذاتي اللاهوتي. وقد علَّق روبرت موينس على هذه المشكلة بالتحديد بقوله: «يبدو أمامنا نقد الشكل كما لو أنه منهج علمي، لو كان كذلك لكنت ستجد اتساقاً وتماسكاً في التفسير. لكن ما يحدث هو أن تأتي التفسيرات على مقولة واحدة مختلفة ومتنوعة بشكل واسع. وليس فقط التفسيرات المتنوعة، ولكن أيضاً كثيراً ما يفشل نقَّاد الشكل في الاتفاق على قضايا في صميم نقد الشكل. وإننا كنا نتوقع قدراً من التماسك والاتساق في البناء التاريخي لو كان نقد الشكل علماً بحق».
ويعلق ج. بريتز أيضاً على ذاتية مدرسة نقد الشكل، ويتوصل إلى قوله: ومن ثم فإن نقَّاد الشكل يواجهون تحدي فإما أن يعترفوا بخطأ منهجهم وما توصِّل إليه من نتائج أو أن يتخلصوا منها تماماً.
ما يتضمن هنا الآن ليس التبديل بين الاتجاه غير النقدي وبين النقد، لكن بين النقد والمبالغة في النقد. فالنظرة النقدية للأناجيل لا تزعم أنها موضوعية بشكل مطلق. فمن الصعب أن نقول أين ينتهي الشعر ويبدأ التاريخ. ومن المرجح جداً عدم وجود تتابع زمني تحتي صارم أو مخطط طوبوغرافي، كما أنها ليست كتباً لسير الحياة حسب مفهومنا الحديث لهذا الصنف الأدبي. ولكن ذلك لا يعني أننا نعترف بأننا لا نملك شهادة موثوقة من شهود عيان: أو بأن الكنيسة من خلال مسيح إيمانها قد خلقت أو اختلقت يسوع التاريخي، بدلاً من أن يسوع التاريخي هو مسيح إيمانها».ويضيف: «الخطأ الأكبر لنقد الشكل هو ذاتيتها التخيلية في تقييمها وتقديرها للتقاليد».
ويلخص بريتز وجهات نظر نقَّاد الشكل بقوله: إنهم يتفقون في شيء واحد فقط، وبالتحديد أن تلاميذ يسوع الأوائل كانوا شديدي الجهل في أسلوب الكتابة أو غير حياديين تماماً وغير معتدلين في تقديمهم لسيرة الحياة أو التاريخ، كل ذلك لتخليد ذكرى سيدهم.
6(أ) بإيجاز
1(ب) يسعى نقد الشكل إلى اكتشاف الأشكال الكتابية الأصلية التي تمَّ كتابة وتسجيل التقاليد الخاصة بيسوع بواسطتها.
2(ب) يأمل نقَّاد الشكل أنه من خلال اكتشاف الأشكال الأصلية أن يتمكنوا من تحديد حاجات الكنيسة المبكرة التي دفعتهم إلى اختلاق هذه القصص.
3(ب) يقوم منهج نقد الشكل على تقسيم الأناجيل تقسيماً شكلياً للكتابة، وبعدها البحث عن الموقف الحياتي الذي دفع إلى كتابتها. وهم يسعون من وراء ذلك إلى إرجاع الأناجيل إلى وضعها الأصلي النصِّي.
4(ب) ظهر نقد الشكل في ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى.
5(ب) من بين أهم وأكبر المؤيدين لهذه المدرسة مارتن دبيليوس ورودلف بولتمان وفينسنت تايلور
| |
|